فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} ظاهره أن الأول ممدوح.
والثاني مذموم، وإذا كان كذلك، فيجب أن يكون المراد: فخلف من بعد الصالحين منهم الذين تقدم ذكرهم خلف.
قال الزجاج: الخلف ما أخلف عليك مما أخذ منك، فلهذا السبب يقال للقرن الذي يجيء في إثر قرن خلف، ويقال فيه أيضًا خلف، وقال أحمد بن يحيى: الناس كلهم يقولون خلف صدق وخلف سوء، وخلف للسوء لا غير.
وحاصل الكلام: أن من أهل العربية من قال الخلف والخلف قد يذكر في الصالح وفي الرديء، ومنهم من يقول الخلف مخصوص بالذم قال لبيد:
وبقيت في خلف كجلد الأجرب.. ومنهم من يقول: الخلف المستعمل في الذم مأخوذ من الخلف، وهو الفساد، يقال للردىء من القول خلف، ومنه المثل المشهور سكت ألفًا ونطق خلفًا، وخلف الشيء يخلف خلوفًا وخلفًا إذا فسد وكذلك الفم إذا تغيرت رائحته.
وقوله: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} قال أبو عبيدة جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وأما العرض بسكون الراء فما خالف العين، أعني الدراهم والدنانير وجمعه عروض، فكان كل عرض عرضًا وليس كل عرض عرضًا، والمراد بقوله: {عَرَضَ هذا الأدنى} أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها، وفي قوله: {هذا الأدنى} تخسيس وتحقير، و{الأدنى} إما من الدنو بمعنى القرب لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها.
والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلام.
ثم حكى تعالى عنهم أنهم يستحقرون ذلك الذنب ويقولون سيغفر لنا.
ثم قال: {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} والمراد الإخبار عن إصرارهم على الذنوب.
وقال الحسن هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يستمتعون منها.
ثم بين تعالى قبح فعلهم فقال: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} أي التوراة {أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} قيل المراد منعهم عن تحريف الكتاب وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشوة، وقيل: المراد أنهم قالوا سيغفر لنا هذا الذنب مع الإصرار، وذلك قول باطل.
فإن قيل: فهذا القول يدل على أن حكم التوراة هو أن صاحب الكبيرة لا يغفر له.
قلنا: أنهم كانوا يقطعون بأن هذه الكبيرة مغفورة، ونحن لا نقطع بالغفران بل نرجو الغفران، ونقول: إن بتقدير أن يعذب الله عليها فذلك العذاب منقطع غير دائم.
ثم قال تعالى: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم لأنهم قد قرؤه ودرسوه.
ثم قال: {والدار الآخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} من تلك الرشوة الخبيثة المحقرة {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} يعني بعد بني إسرائيل خلف السوء {وَرِثُواْ الكتاب} يعني: التوراة {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الادنى} يقول: يستحلون أخذ الحرام من هذه الدنيا وهو الرشوة في الحكم {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} قال مجاهد: يعني: يأخذون ما يجدون حلالًا أو حرامًا ويتمنَّون المغفرة {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أي وإن يجدوا مثله من العرض يأخذوه.
ويقال: معناه أنهم يصرون على الذنوب وأكل الحرام، فإذا أخذوا أول النهار يعودون إليه في آخر النهار ولا يتوبون عنه.
ويقال: يطلبون بعلمها الدنيا.
ويقال: يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون: سيغفر لنا هذه المرة.
وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ويقولون مثل ذلك: أي سيغفر لنا لأنا لا نشرك بالله شيئًا.
وقال سعيد بن جبير: يأخذون عرض هذا الأدنى.
يقول: يعملون بالذنوب.
ويقولون: سيغفر لنا ما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار.
وما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل.
{وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} يعني: الذنوب.
قال الله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} يعني: ألم يؤخذ عليهم ميثاقهم في التوراة {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} أي: إلا الصدق {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} أي قرؤوا ما فيه {والدار الآخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي: يتقون الشرك، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الآخرة خير من الدنيا.
ويقال: {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} ما يدرسون من الكتاب.
ويقال: {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن الإصرار على الذنوب ليس من علامة المغفورين، قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص أَفَلا تَعْقِلُونَ بالتاء على وجه المخاطبة.
وقرأ الباقون بالياء على وجه المغايبة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي حضرت وجاء وتبدل من بعد هؤلاء الذين وصفناهم خلف.
قال أبو حاتم: الخلف بسكون اللام الأولاد والواحد والجميع فيه سواء والخلف بفتح اللام البدل ولدًا كان أو غريبًا، وقال الآخرون: هم خلف سوء.
وقال ابن الأعرابي: الخلف بالفتح الصالح و[بالجزم] الصالح. قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

ومنه قيل للردئ من الكلام: خلف، ومنه المثل السائر: سكت الفًا وبطن خلفًا.
وقال النضر بن شميل: الخلف بجزم اللام واسكانها في غير القرآن السوء واحد، فأمّا في القرآن الصالح بفتح اللام لا غير، وأنشد:
إنا وجدنا خلفًا بئس الخلف ** عبدًا إذا ما ناء بالحمل خضف

وقال محمد بن جرير الطبري: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام وفي الذم بتسكينها وقد تحرك في الذم وتسكن في المدح ومن ذلك قول حسان بن ثابت:
لنا القدم الأولى وإليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة الله تابع

قال: واحسب أنّه إذا وجّه إلى الفساد مأخوذ من قولهم: خلف اللبن وحمض من طول تركه في السقاء حتى تفسد، ومن قولهم: خلف فم الصائم إذا تغير ريحه وفسد، فكان الرجل الفاسد مشبه به.
{وَرِثُواْ الكتاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} والعرض متاع الدنيا أجمع. والعرض بسكون الراء ما كان من المال سوى الدراهم والدنانير.
قال المفسّرون: إن اليهود ورثوا كتاب الله فقرأوه وعلموه وضيعوا العمل به وخالفوا حكمه يرتشون في حكم الله وتبديل كتاب الله وتغيير صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} ذنوبنا ما عملناه بالليل كُفّر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل تمنيًا على الله الأباطيل.
{وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}. قال سعيد بن جبير: وإن عرض لهم ذنب آخر عملوه.
وقال مجاهد: ما أشرف لهم في اليوم من شيء من الدنيا الحلال أو حرام يشتهونه أخذوه. وكلما وهف لهم شيء من الدنيا أكلوه وأخذوا من الدنيا، ما وهف أي ما سهل، لا يبالون حلالًا كان أو حرامًا ويبتغون في المغفرة فإن يجدوا الغد مثله يأخذوه.
قال السدي: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيًا إلاّ ارتشى في الحكم. وإن خيارهم اجتمعوا فأخذوا منهم بعض العهود أن لا يفعلوا فجعل الرجل منهم إذا استقضى وارتشى يقال له: مالك ترتشي في الحكم، فيقول: سيُغفر لي، فيطعن عليه البقية عَرَض من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجلًا ممن كان يطعن فيرتشي فيقول وأن يأتي الآخرين عرض مثله يأخذوه ومعناه: وإن يأت يهود يثرب الذين كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض مثله يأخذوه كما أخذ أسلافهم. والأدنى تذكير الدنيا وعرض هذه الدار الدنيا فلما ترك الاسم المؤنث ذكر النعت لتذكير اللفظ.
سمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد [....] يقول فيه تقديم وتأخير أي: يأخذون هذا العرض الأدنى {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الكتاب أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} وقرأوا ما فيه، وقرأ السلمي: ادّارسوا أي تدارسوا مثل إذا زكّوا أي قرأ بعضهم بعضًا.
{والدار الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الشرك والحرام {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} بالياء قرأ أكثر القراء على الخبر.
وقرأ الحسن وابن الأشهب بالتاء على الخطاب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.
معناه فخلفهم خلف، والخلف بتسكين اللام مستعمل في الذم. وبفتح اللام مستعمل في الحمد. وقال أبو عبيدة. معناها واحد مثل الأثر والإثر، والأول أظهر وهو في قول الشعراء أشهر، قال بعضهم:
خلفت خلفًا ليت بهم ** كان، لا بِكَ التلف

وفي الخلف وجهان:
أحدهما: القرن، قاله الفراء.
والثاني: أنه جمع خالف.
{وَرِثُواْ الْكِتَابَ} يعني انتقل إليهم انتقال الميراث من سلف إلى خلف وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم من خلف اليهود من أبنائهم. والكتاب الذي ورثوه التوراة لانتقالها لهم.
والثاني: أنهم النصارى: لأنهم خلف من اليهود. والكتاب الذي ورثوه: الإنجيل لحصوله معهم، قاله مجاهد.
{يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} يعني الرشوة على الحكم في قول الجميع وسماه عرضًا لقلة بقائه. وفي وصفه بالأدنى وجهان:
أحدهما: لأخذه في الدنيا الدانية.
والثاني: لأنه من المحرمات الدنية.
{وَيَقُولُونَ سَيُغْفرُ لَنَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه مغفور، لا نؤاخذ به.
والثاني: أنه ذنب لكن الله قد يغفره لنا تأميلًا منهم لرحمته.
{وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم أهل إصرار على الذنوب، قاله مجاهد وقتادة والسدي.
والثاني: أنهم لا يشبعهم شيء، فهم لا يأخذونه لحاجة، قاله الحسن.
{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ألا يقولوا على الله إلا الحق في تحريم الحكم بالرشا.
والثاني: في جميع الطاعات والمعاصي والأوامر والنواهي.
{وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: تركوا ما فيه أن يعملوا به حتى صار دارسًا.
والثاني: أنهم قد تلوه ودرسوه فهم لا يجهلون ما فيه ويقومون على مخالفته مع العلم به. اهـ.